وصف الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، منزلة التسليم بأنها أفضل معالج للقلق والصراع الداخلي، والتغلب على تعقيدات الحياة، مؤكدا في الوقت ذاته أن التسليم لا يتعارض مع الشعور بالألم، إذا لا بد من الجمع بين بذل الجهد في العمل، وفي الوقت نفسه تسليم الأمر لله.

وروى خالد، في الحلقة الثانية عشرة من برنامجه الرمضاني “منازل الروح”، كيف أن الفضيل، وهو أحد التابعين، ابتسم عندما مات ابنه، بينما النبي عندما مات ابنه بكى.. متسائلا: من أعلى مقاما؟.. مجيبا: بالطبع النبي، “لأن هنا منزلتين: الرحمة بالابن والرضا عن قدر الله.. لكن الفضيل خشي ألا يكون راضيا.. خاف لو بكى أن يفقد منزلة الرضا والتسليم، فابتسم مختارا الرضا.. أما النبي جمع بين التسليم والرحمة فبكى وقلبه مسلم”.

وأوضح الداعية الإسلامي أن “كل الناس لا تستطيع أن تجمع بين المنزلتين، لأنهم يتصورون أنها لابد أن تكون واحدة فقط.. لكن ينبغي أن تجمع بين حب الله وخشيته.. اجمع بين الرضا والطموح.. الرضا عن حالك الآن والعمل والدعاء لمستقبل أفضل”.

وكشف خالد عن الفرق بين التسليم والتوكل، قائلا: “هناك شبه بينهما، إذ لا بد في كليهما، أن تبذل جهدك أولا.. الجوارح تعمل والقلوب تتوكل”، موضحا أن التسليم أعلى من التوكل، “فالتوكل متعلق بطلبي أنا بمرادي، أما التسليم فهو متعلق بمراد الله. التوكل: يا رب وكلتك في طلبي.. التسليم: سلمت أمري إليك دبر لي أنت أمري.. التوكل: طلبك أن يحقق الله مرادك.. التسليم: أن تخضع مرادك لمراد الله”.

التسليم والبحث عن بدائل وحلول

كما بين خالد أن تسليم الأمر لله يمنح عقلية مرنة إيجابية، لماذا؟ “لأنك عندما تسلم روحك للخالق تهدأ نفسيا؛ ويزول الضغط النفسي والعصبي، فتبدأ بالبحث عن البدائل والحلول والفرص، فالمستسلم لله لا يشكو الأزمات، بل يسلم بوجود الأزمات؛ عندها يتفتح عقله للبحث عن الحلول البديلة بمرونة”.

وأضاف الداعية الإسلامي أن التسليم يمنح العقل مرونة إيجابية، بينما يعيش الآخر في صندوق ضيق من السلبية، وفي حالة غضب وعند مع الحياة”، مشددا على أن التسليم ليس ضد الطموح، “بالعكس، فهو دافع إلى حب الاستكشاف والبحث لإيجاد البدائل.. فالتسليم ليس عملا سلبيا، ولا يعني عدم الطموح بل على العكس.. التسليم لله يحرر الإنسان من الضغط النفسي المانع من اتخاذ القرار الصحيح، فيواجه الأزمات بعقل منفتح ونفسية هادئة، فيصبح أكثر مرونة في إيجاد البدائل الأخرى للنجاح في الحياة، وبالتالي فهو يحفز في الإنسان حب الاستكشاف وفق القاعدة: “إذا أغلق بابا بحكمته فتح لك أبوابا برحمته””.

5 مصائب متتالية

وروى خالد أنه، منذ ثلاث سنوات، وتحديدا قبل رمضان بأسبوعين فقط، تعرض لمجموعة أحداث قاسية ومتتالية في غضون أقل من أسبوعين هزته هزا عنيفا؛ بعد أن تعرض لخمسة ابتلاءات عنيفة.

ويروي الداعية الإسلامي الحكاية قائلا: “كل هذه الأحداث القاسية والمؤلمة حدثت لي خلال أسبوعين فقط! كان الألم شديدا، وقدم علي شهر رمضان (2018) وأنا في ذروة الألم والحزن والمعاناة! لكن في الواقع كان هذا الشهر أصعب وأجمل رمضان في حياتي؛ فمن قلب الألم يولد الفرج.. كنت أبكي في السجود من الألم، وأقول له: أنا مسلم يا رب.. أنا معك.. لكن لا تتركني.. أعزني وأكرمني واجبر بخاطري”.

أقوى وسيلة لإيقاف التوتر والمعاناة النفسية

كما اعتبر خالد أن التسليم أقوى وسيلة لإيقاف التوتر والمعاناة النفسية، وتحقيق الهدوء والصفاء النفسي والسكينة الروحية، “لأن المعاناة = الألم xالمقاومة (أي رفض الواقع)، كلما زادت المقاومة زادت المعاناة والعكس صحيح، فمع التسليم لله تنخفض المقاومة من رفض الواقع إلى قبول الواقع (قبول قدر الله)، فعلى الرغم من بقاء درجة الألم كما هي، لكن المعاناة تقل مع التسليم”، مشيرا إلى أن التسليم باب ضمان التخفيف للمصائب وصعوبات الحياة.

مع ذلك، أكد عمرو خالد أن التسليم “لا يعني عدم الشعور بالألم؛ ولكن يعني تخفيف الشعور بالألم إلى مستوى تتحمله القدرة الإنسانية.. التسليم ليس ضد الإنسانية والشعور بالألم.. ابك لكن وأنت مسلم الأمر لله.. التسليم يخفف كثيرا الألم”.

كيف تتعلم التسليم لله؟

لكن كيف تتعلم التسليم لله؟، قدم الداعية الإسلامي عمرو خالد سلسلة من النصائح على النحو التالي:

ـ ركز دائما أنك مسلم أمرك لله، راجع الفكرة ثبتها في عقلك.. لو ثبت شهرا ستكمل؛

ـ عندما تأتيك المعاني السلبية والمخاوف، اقطعها فورا بسرعة تذكر التسليم لله.. لكن كيف أطلب ذلك؟

ـ الذكر مفتاح كل المنازل إلى الله.. الذكر هو الذي يأتي بالتسليم؛

ـ هناك أذكار مخصوصة تفكرك بالتسليم لله “لا حول ولا قوة إلا بالله” غاية التسليم.. لا حول عن كل شر ولا قوة على الخير إلا بالله.. خرجت من حولي وقوتي إلى حولك وقوتك؛

ـ ذكر الصباح والمساء للنبي: “ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن”، “أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما”؛

ـ التعلم بالتجارب في الحياة.. راقب حياتك.. اعمل انعكاس لتدبير الله في حياتك السابقة؛

ـ الدعاء والمناجاة بالتسليم لله.. ناج ربك من قلبك خاصة عند الظروف الصعبة.. أشهده أنك مسلم له أمرك، عش هذه الحالة قل له: أنت حسبي ونعم الوكيل.. قل له: خرجت من حولي وقوتي إلى حولك وقوتك.. قل له: لا حول ولا قوة إلا بك.

يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: “ابن آدم أنت تريد وأنا أريد.. فإن سلمت لي فيما أريد أعطيتك ما تريد، وإن نازعتني فيما أريد أتعبتك فيما تريد.. ثم لا يكون إلا ما أريد”.

hespress.com