تارخ النشر: الاثنين 17 فبراير 2020 KSA 04:51 – GMT 01:51
المصدر: العربية.نت – عهد فاضل
يرتبط الخط العربي، تاريخيا، بالرجال في أغلب الأحيان، فدائماً هناك أشهر الخطاطين، وأقدم الخطاطين، وأول الخطاطين. لكن في الوقت نفسه، عرف التاريخ العربي والإسلامي، خطّاطات ماهرات، ومنهن من حملت لقب الكاتبة، لأنها خطّاطة، لا لأنها مؤلِّفة، كما يمكن أن يُظن لدى قراءة هذا التعريف.
وعرف العصر الحالي خطاطات عربيات، وإن لم يحظين بشهرة واسعة كالتي حظي بها الرجال. إنما العصور السابقة، شهدت بروز خطاطات اشتهرن بهذا الفن، وصار لدى بعضهنّ، مصدر رزق، وكتب الإخباريون عنهنّ، باستفاضة.
وكانت المملكة العربية السعودية، قد قررت اعتبار عام 2020، عاماً للخط العربي. وفي نهاية العام الماضي، أعلن وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، تسمية عام 2020 عاماً للخط العربي، احتفاء به وتقديراً لما يمثله من أداة تحفظ تراث اللغة العربية الواسع، ولما يمثله من جماليات وفنون برع فيها العرب والمسلمون عبر العصور، فصار الخط العربي فناً مستقلا بذاته.
والخط العربي، فنّ مستقلّ يعنى بكتابة ورسم الحروف العربية المفردة والمركبة، ضمن قواعد محددة سلفاً تختلف من خط إلى آخر. وبدءا من العصر الأموي، أخذ الخط العربي يتطور باتجاه جمالي أكثر حِرفية. فعرف خطّاطون في ذلك العهد، كقطبة، وخالد بن الهيّاج، ثم مالك بن دينار. ثم اتجهت تقنيات وجماليات الخط العربي نحو التأسيس المدرسي أكثر فأكثر، وتطوّر إتقان رسم تلك الأشكال الحروفية العربية المنفصلة أو المتصلة، على أيدي خطاطين كبار، صاروا أسياد هذا الفن الأوائل، كابن مقلة الذي كان يكتب باليمنى واليسرى، وهو محمد بن علي 272-328هـ، وابن البوّاب، علي بن هلال، المتوفى سنة 423هـ، وياقوت المستعصمي، جمال الدين المتوفى سنة 698هـ، وآخرين.
خطّاطة علّمت الرجال
وبحسب ما طالعته “العربية.نت” في كتب تاريخ الخط العربي، فإن بعض مشاهير الخط العربي، أوصلوا هذا الفن، للنساء، وليس للرجال فقط، وبعضهن برعن فيه، كشهدة الملقّبة بالكاتبة بسببه، وهي تلميذةُ تلميذِ ابن البواب السابق ذكره.
وشهدة الكاتبة بغدادية المولد والوفاة، هي بنت أبي نصر أحمد بن الفرج بن عمر (482-574هـ) وعرفت بالكاتبة لجودة خطّها، كما ينقل مترجموها الذين أكد بعضهم أنها علّمت الرجال فنَّ الخط العربي، كأمين الدين ياقوت المكي المتوفى سنة 618هـ.
كاتبة الخليفة ورئيسة النساء
ومن الخطاطات، لبنى، يعرفها السيوطي في (بغية الوعاة..) بأنها تكتب بالخط الجيد ويحدد وفاتها سنة 394 هـ. ويضعها مؤرخو الخط العربي، في قائمة الخطاطات، ويقال عنها في المصنفات القديمة: “كاتبة الخليفة المستنصر بالله الأموي. أندلسية. شاعرة. ولم يكن في قصر الخلافة يومئذ، أنبل منها” كما ينقل السيوطي.
ومن الخطاطات، بنت قُرَيمزان، فاطمة بنت عبد القادر بن محمد بن عثمان 878-966هـ. من أهالي حلب السورية. انتهت إليها رئاسة النساء في زمانها، بحلب، لما لها من الخط الجيد، بحسب أعلام الزركلي.
يضربون المثل بكتابتها
ومن المشهورات بالخط، فاطمة الملقبة بالكاتبة، أيضاً، وهي أم الفضل بنت الحسن بن الأقرع، يحدد تاريخ وفاتها بسنة 480 هـ واشتهرت بجودة الخط، ويحدد المترجمون طريقتها كخطاطة على طريقة الأستاذ ابن البواب سابق الذكر، ويقول المصنفون عنها “بكتابتها يضرب المثل”.
والخطاطة جوهر بنت عماد، بحسب (تاريخ الخط العربي وآدابه) الذي قال عن خطها إنه كان بغاية الحسن والجمال. وهي من خطاطات القرن الحادي عشر الهجري.
تكتب بقدميها!
وفي الوقت الذي اشتهر فيه الخطاط ابن مقلة، بالكتابة حتى بيده التي قطعت لاحقاً، بعدما يربط عليها قلماً، فإن من النساء من اشتهرن بالخط، إنما دون أن يكون لهنّ يدان، أصلا، بعدما خلقت بدونهما، كما تقول المصادر، ورغم ذلك اشتهرت واحدة منهنّ كخطّاطة!
ويروي كتاب (لطائف أخبار الأُوَل فيمن تصرّف في مصر من أرباب الدول) للإسحاقي، محمد بن أبي الفتح المصري المتوفى سنة 1060 هـ، ويعرف كتابه بتاريخ الإسحاقي، قصة عن خطاطة خلقت بدون يدين، جاءت من الإسكندرية المصرية سنة 624 هجرية، إلا أنها أثارت العجب فيما خطّته بقدميها، فيقول: “سنة أربع وعشرين وستمائة أحضرت من الإسكندرية امرأة خلقت من غير يدين.. فجيء بها بين يدي الوزير رضوان، فعرَّفتْه أنها تعمل برِجْليها، ما تعمله النساء بأيديهنّ من خطّ” ويكمل الإسحاقي في تاريخه، أن المرأة المذكورة لم تكتب بقلم معدّ مسبقاً، ولم ترض الكتابة بقدميها “بالأقلام المبرية” بل استعملت السكين وبرت قلما لنفسها، وبدون يدين، ثم أخذت “ورقة فأمسكتها برجلها اليسرى، وكتبت [بقدمها] باليمنى أحسن ما تكتبه الكتّاب بيمينهم!”
وينهي الإسحاقي الحادثة، بأن الخطاطة بدون يدين، قدّمت ما كتبته للوزير، فزاد في إكرامها على ما كانت كتبته له بقدميها. وتسمى المرأة تلك، ببنت خداوردي، ويقول الإسحاقي، إن قبرها موجود في الإسكندرية.
يشار إلى أن بنت الخداوردي، خطاطة القدمين الماهرة، لها شريكٌ في عالم الرجال، خطاط ماهر وبدون يدين، أيضاً، وذلك سنة 576 للهجرة، ويوصف بـ”عديم اليدين” بحسب (تاريخ الخط..) السابق ذكره والذي يقول عنه إنه يعرف جميع الخطوط العربية، وإنه كتب برِجليه جملة أسطر “بالقواعد التامة” فأثار إعجاب خطاطي ذلك الوقت، وقدموا له مالاً كثيراً.
الجدير بالذكر، أن النساء الموصوفات بالخطاطات في التاريخ العربي والإسلامي، عددهن كبير، ويصل إلى ما يقارب الثلاثين خطاطة، بحسب إحصاء بعض المؤلفين، إلا أن بعضهن مارسن الخط كنسخ للكتب، دون أن يمتلكن لقب خطّاطة، بالمعنى الحِرَفي للكلمة، بحسب ما يظهر من ترجمتهن في المصنفات القديمة.