وابل من الكويكبات الذي يُعتقد أنه اصطدم بالقمر والأرض منذ 800 سنة مضت. (حقوق الصورة: : Murayama/Osaka Univ.)
توصلت دراسةٌ جديدةٌ الى أن وابل الكويكبات الذي يُعتقد أنه ضرب القمر والأرض منذ 800 سنة مضت يمكن أن يكون قد أثار أكبر العصور الجليدية.
توجد عدة علاماتٍ تشير إلى أن الاصطدامات الكونية قد كان لها تأثيراتٌ كبيرةٌ على امتداد تاريخ الأرض، على سبيل المثال، أحد الكويكبات الذي يبلغ عرضه نحو 6 أميال (10 كيلومتر) ارتطم بالأرض منذ قرابة 66 مليون سنة مضت قرب ما يعرف الآن ببلدة تشيكشولوب (CHEEK-sheh-loob) في المكسيك، وتسبّب في انقراض ثلاثة أرباع الفصائل الحيوانية والنباتية الموجودة على كوكب الأرض (معظمها من الديناصورات)، وخلّف فوهةً ضخمةً يبلغ عرضها ما يناهز 110 ميلًا (180 كيلومترًا).
يُعتقد أن كويكبًا بذلك الحجم قادر على ضرب الأرض مرةً واحدةً فقط كلّ 100 مليون عام. ولكن، التعرية erosion، والبركانية volcanism، والظواهر الجيولوجية الأخرى محت بشكل كبير أيَّ أثرٍ أحدثته الفوهات على الأرض منذ 600 سنة مضت، ما حال دون فهمنا لهذه الاصطدامات الكونية.
درس باحثون في إطار دراسةٍ جديدةٍ اُجريت في اليابان القمرَ لمعرفة المزيد عن الاصطدامات القديمة على الأرض، بما أن الفوهات تُحفظ بطريقةٍ جيدةٍ في الفضاء على سطح القمر. درس الباحثون 59 فوهةً قمريةً، يبلغ عرض كلّ واحدةٍ منها 12 ميلًا (20 كيلومترًا) أو أكثر مستعملين في ذلك المركبة القمرية اليابانية كاغويا Japanese lunar orbiter spacecraft Kaguya.
درس الباحثون تاريخ تشكل هذه الفوهات بدراسة حلقات الصخور التي قذفتها هذه الاصطدامات التي كانت سببًا في حدوثها. تُمطر النيازك الصغيرة على القمر بنسقٍ يمكن التنبؤ به، لتخلف وراءها فوهاتٍ يتراوح عرضها من 330 إلى 3,300 قدم (من 100 إلى 1,000 متر)، وبحسابهم لعددٍ هذه الفوهات الصغيرة الموجودة في المقذوفات ejecta الصادرة عن الفوهات الكبيرة، سيكون بإمكانهم تقدير زمن تشكل الفوهات الكبيرة.
اكتشف الباحثون أن الفوهات الثماني الكبيرة التي درسوها تشكّلت بطريقةٍ متزامنةٍ، بما في ذلك فوهة كوبورنيكوس Copernicus التي يبلغ عرضها 57 ميلًا (93 كيلومترًا)، والتي جمع فيها روّاد فضاء برنامج أبولو Apollo العينات. تمكن الباحثون من معرفة أن هذه الفوهات قد تشكّلت في بداية وابلٍ كوكبيٍّ حدث منذ 800 مليون سنةٍ مضت مستعملين بيانات النظائر المشعة radioisotope dating من المواد التي قذفتها فوهة كوبورنوكوس والخرزات الزجاجية التي تكونت من اصطدامات النيازك المجمعة من مجموعة من مواقع هبوط أبولو.
بتسليمهم بأن وابل الكويكبات الذي ضرب القمر يمكن أن يكون قد أثّر أيضًا على الأرض، قدّر العلماء قيمة الأربعين إلى الخمسين ترليون من الأطنان المترية من النيازك التي اصطدمت بكوكبنا خلال هذا الوابل، بكونها تبلغ من 30 إلى 60 مرةً كتلة قاتل ديناصور تشيكشولوب.
كانت هذه الاصطدامات الكونية ستضرب الأرض والقمر مباشرةً قبل العصر البارد Cryogenian period من 635 إلى 720 سنة مضت؛ عرفت الأرض أهم عصورها الجليدية خلال العصر البارد، الذي من المحتمل أن يكون قد غطى الكوكب بأكمله بالثلج، إضافةً إلى أحافير الحيوانات القديمة (وهي الإسفنج).
أفاد كيناتارو تارادا Kentaro Terada، عالم الكونيات بجامعة أوساكا باليابان في تصريح لموقع Space.com أن الأبحاث السابقة زعمت أن فوهة تشيكشولوب فجّرت نسبةً هامّةً من الغبار الذي تسبب في تعتيم السماء وتفتيح الأرض، كما أضاف أنه من الممكن، أيضًا، أن يكون وابل النيازك الذي حدث منذ 470 مليون سنة مضت قد أنتج أيضًا كمياتٍ مهولةً من الغبار، التي قد تكون تسببت في حدوث ما يُعرَف بالعصر الأوردوفيشي الأوسط mid-Ordovician ice age.
أفاد تارادا: “انطلاقًا من هذه الأبحاث، أستطيع أن أقول أنه ليس من الغريب أن يكون وابل النيازك الذي وقع منذ 800 مليون سنة قد أنتج العصر الجليدي، لأن الكتلة الإجمالية لـ800 مليون سنة مضت تُقدَّر في دراستنا بـ10 إلى 100 مرة أكبر من تلك الخاصة بفوهة تشيكشولوب ووابل النيازك الذي حدث منذ 470 مليون سنة مضت”.
قدّر العلماء أن وابل النيازك هذا قد يكون أدى إلى تناثر 100 مليار من الأطنان المترية من الفسفور حول الأرض، أي أكثر بنحو 10 مراتٍ من مجموع الفوسفور الموجود في المحيطات الآن؛ اقترح الباحثون أنه قد تكون لهذا الفوسفور تأثيراتٌ بيولوجيةٌ مجهولةٌ، إذ يُعتبر الفسفور مكونًا أساسيًا في تركيبة الحمض النووي DNA والأغشية الخلوية.
نظرًا لتوقيت حدوث وابل الكويكبات، زعم تارادا وزملاؤه أنه ناتجٌ عن الحدث المدمّر الذي تسبّب في ظهور سلالة أولاليا Eulalia من الكويكبات، التي تشكلت منذ قرابة 830 مليون سنة مضت. زعمت أبحاث سابقة أن سلالة أولاليا تُعتبر الجسم الأصلي للكويكبات القريبة من الأرض بينو Bennu وريوغو Ryugu.
من المبرمج أن تجمع مهمة أوسايري-ركس OSIRIS-REx التابعة لوكالة ناسا عينات من بينو، بينما جمعت مركبة هايابوسا 2 Hayabusa2 probe اليابانية عيناتٍ من ريوغو، ومن المتوقع أن تعود إلى كوكب الأرض في شهر كانون الأول/ديسمبر.
صرح تارادا: “ستتمثل خطتي البحثية التالية في تحديد عمر العينات المجمعة من الكويكبات ريوغو وبينو؛ إذا توصلت إلى أن عينات ريوغو تبلغ من العمر 800 مليون سنة، سأكون في غاية الحماس، بما أن ذلك قد يدعم فكرة وجود علاقة بين هذه الكويكبات والاصطدامات الكونية التي زُعم أنها ضربت الأرض والقمر”.
عرض الباحثون نتائج أبحاثهم على شبكة الإنترنت في21 يوليو/تموز في صحيفة Nature Communications.